يعتبر علم النفس الإيجابي من جودة الصحة النفسية أو الصحة النفسية الإيجابية أو الحياة السعيدة. فقد تعاملت البرامج والنماذج التطبيقية في هذا المجال بصورة رئيسية مع مختلف صيغ الخطأ أو الخلل في بنية الشخصية الإنسانية بدلاً من التعامل مع صيغ وممكنات التميز والصواب والإيجابية داخل بينة هذه الشخصية. وقد برزت كتابات سيكولوجية مبكرة في المجال حاولت فيما يبدو تصحيح هذا التحيز وكمثال على ذلك كتابات عالم النفس والفيلسوف الأمريكي وليام جيمس. فقد كتب سنة 1902 كتاب " تنوع الخبرة الدينية " وأفاد أن السعادة هي بؤرة الحياة الإنسانية السوية ويمكن أن يسقط على من يسعون إلى السعادة ويتمتعون بها وصف الأصحاء نفسيًا.ثم تبعه الكثير من علماء نفس المدرسة الإنسانية مثل أبراهام ماسلو، وكارل روجرز وإيريك فروم حيث صاغوا وطوروا نظريات وتطبيقات ناجحة تتضمن التأكيد على تحقيق وتنمية السعادة الإنسانية على الرغم من عدم استناد أعمالهم وكتاباتهم في هذا المجال على شواهد إمبريقية قوية. ويمكن التأكيد على أن الرواد الأول المؤسسون للبحوث في مجال علم النفس الإيجابي هم البروفيسور مارين سليجمان، إد دينير، ميهالي كسكسزينتميهالي، كريستوفر بيترسون، وآخرون كثيرون الذين بشروا بوضع دراسة موضوع السعادة الإنسانية على أجندة البحث العلمي السيكولوجي المنضبط وأضافوا بجدية بعض الإيجابية على الطابع السلبي العام المميز لمجال علم النفس التقليدي.
وبدأ مارتين سليجمان رسميًا تدشين علم النفس الإيجابي سنة 1998 أثناء توليه منصب رئاسة الجمعية الأمريكية لعلم النفس. ومنذ هذا الوقت أصبح علم النفس الإيجابي مجالاً بحثيًا معترفًا به بل مقدرًا في نفس الوقت، بوصفه يزود مجال علم النفس الاجتماعي، علم النفس الإكلينيكي، وعلم النفس العام بمدخل دراسة وتحليل مثمر ومفيد جدًا. وقد أسس مركز علم النفس الإيجابي بجامعة بنسلفانيا سنة 2003 ليجسد بؤرة للمشاريع التعليمية والبحثية التي يدعى للمساهمة فيها الأفراد والمؤسسات من مختلف دول العالم.
ويركز الباحثون في مجال عالم النفس الإيجابي على دراسة وتحليل مكامن القوة والسمات والفضائل الإنسانية الإيجابية مثل التفاؤل، الرضا والامتنان، والإبداع لتعظيم وتعزيز السعادة الشخصية للإنسان في ممارساته وأنشطته وشئون حياته اليومية، لتحسين صحة وإنتاجية الأفراد، ولزيادة فعالية وقوة المؤسسات ذات العلاقة بتحسين نوعية الحياة بصفة عامة. ويهتم علماء نفس علم النفس الإيجابي أيضًا بدراسة وتحليل فعالية صيغ التدخل الإيجابي التي تستهدف تحسين وزيادة الرضا عن الحياة، إطالة عمر الإنسان وتحسين نوعية حياته، وتعظيم وتعزيز أدائه في مختلف سياقات ومواقف الحياة.
وفيما يتعلق بمجالات البحوث في علم النفس الإيجابي نجدها تتمحور حول ثلاث مجالات متداخلة وذلك حسب رؤية مارتين سليجمان لنطاق البحوث في مجال علم النفس الإيجابي:
1. إجراء بحوث في مجال ما يعرف " بالحياة الممتعة أو السارة أو المبهجة أو حياة الاستمتاع والمتعة ويركز في هذا المجال على دراسة وفحص كيف يخبر الناس النعيم، كيف يستمتعون بمذاق المشاعر والانفعالات الإيجابية باعتبارها جزء من الحياة الطبيعية الصحية (مثل، العلاقات، الهوايات، الاهتمامات، الترفية، ...الخ).
2. إجراء دراسات وبحوث في مجال ما يعرف بالحياة الخيرة أو الطيبة أو الجيدة أو ما يصح تسميته بحياة التعهد والالتزام ويهتم فيه بدراسة وتحليل التأثيرات الإيجابية للانغماس، الاستغراق، والتدفق الذي يشعر به المرء عندما يندمج بصورة مثالية في أنشطته الأساسية المفضلة. وتحدث هذه الحالة للمرء عندما تتسق أو تتطابق إمكانيات المرء وقدراته مع المهمة أو العمل الذي يقوم به أو يندمج فيه، مثل شعور المرء بالثقة عندما ينجز المهام التي يواجهها أو يكلف بها.
3. إجراء دراسات وبحوث في مجال ما يعرف بالحياة ذات المعنى أو الهادفة أو "حياة الانتماء والانتساب إلى الآخرين" وذلك لمحاولة الإجابة عن أسئلة من قبيل كيف يستمد الأفراد حسًا إيجابيًا من طيب الحياة وجودتها، من الانتماء، من وجود معنى أو قيمة للحياة، ومن وضوح الغرض من الحياة، ومن الإحساس بأنهم جزء من/ويسهمون في تطوير شيئًا ما أوسع وأكثر دوامًا من أنفسهم (مثل، الطبيعة، الجماعات الاجتماعية، المنظمات، الحركات والتقاليد، ونظم الاعتقاد).
وفيما يخص تطبيقات علم النفس الإيجابي نجد صياغة تطوير المرجع في مكامن القوة والفضائل الإنسانية يجسد أول محاولة من جانب المجتمع البحثي في مجال علم النفس الإيجابي لتحديد وتصنيف السمات الإيجابية للكائنات البشرية. ومثله مثل الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية في علم النفس العام، يوفر المرجع في تعريف وتصنيف مكامن القوة والفضائل البشرية الأساسية إطارًا مرجعيًا نظريًا يساعد في تطوير تطبيقات عملية لعلم النفس الإيجابي. ويسمى ما ورد في المرجع المشار إليه " دليل سلامة النفس وصحتها " إذ يحدد ست مجموعات للفضيلة (الفضائل المحورية أو المركزية) تضم أربع وعشرون مكامن قوة شخصية قابلة للقياس وتنتظم هذه الفضائل ومكامن القوة الشخصية في المحاور التالية:
1. الحكمة والمعرفة: الإبداع، الشغف والفضول المعرفي، الانفتاح العقلي، حب التعلم، وبعد النظر.
2. البسالة أو الشجاعة والجرأة: الإقدام، المثابرة، التكامل، الحيوية.
3. الإنسانية: الحب، العطف والشفقة والرحمة، الذكاء الاجتماعي.
4. العدل: المواطنة، الإنصاف، القيادة.
5. الاعتدال وضبط النفس: التسامح والرحمة، التواضع والوقار، التدبر والتريث، تنظيم الذات.
6. التسامي: تقدير الجمال والامتياز، الرضا والامتنان، الأمل، الظرف والفكاهة وروح المرح، السمو الروحي.
وقد عُبِرَ في مقدمة المرجع في مكامن القوة والفضائل الإنسانية عن أن هذه الفضائل الست المشار إليها توجد بشكل متسق في كل الثقافات وعبر كل المراحل التاريخية، مما يعطيها الطابع العام. وعلى الرغم من العديد من المحاذير والتحفظات من قبل الكثير من علماء النفس على هذا الرأي، إلا أن هذه الإفادة الخاصة بعمومية هذه الفضائل يؤشر بالإضافة إلى ضرورة إثراء وتوسيع نطاق البحوث النفسية لتشمل بصورة أساسية دراسة وتحليل جودة الحياة الإنسانية، أن رواد حركة علم النفس الإيجابي يتحدون أنصار النسبية الأخلاقية , ويفيدون بصورة واضحة أن لهذه الفضائل أسس بيولوجية وثقافية. ويؤشر هذا الرأي أيضًا إلى وجود نوعًا من الاتساق بين علم النفس الإيجابي وعلم النفس التطوري .
وتتضمن التطبيقات العلمية لعلم النفس الإيجابي مساعدة الأفراد والمؤسسات اكتشاف قدراتهم ومكامن قوتهم الشخصية الإيجابية واستخدامها لزيادة وتحسين والحفاظ على مستويات السعادة. ويمكن أن يستخدم المعالجون النفسيين، المرشدون النفسيين، المدربون، وغيرهم من الخبراء المهنيين في مجال علم النفس الطرق والفنيات الجديدة لبناء وإثراء حياة الأفراد الذين لا يعانون بالضرورة من المرض أو الاضطراب النفسي.